هل مازلنا بحاجة الى الفلسفة

اجنادين نيوز / ANN
الدكتور صلاح حمادي الحجاج
نبدأ مقالنا هذا بمجوعة من الأسئلة أهمها، هل مازلنا بحاجة الى الفلسفة اليوم في عملية الفهم والتفسير؟ وهل ما زالت الفلسفة تمثل كما كانت سابقا مرجعاً أساسيا في فهم وتفسير العالم والوجود؟ هل وصلت الفلسفة الى معرفة اسرار الغيب وما وراء الطبيعة؟ أم أنها بفعل التطور فقدت قدرتها على الإجابة عن الأسئلة التي كانت تشغلها قديما؟ هل يمكن لها أن تحافظ على أهميتها ومكانتها في عالمٍ جديدا تحكمه التجربة العلمية والاختبار والتطور التكنولوجي المتسارع؟ هذه التساؤلات وغيرها تدفعنا للنظر بعين الأهمية في دور الفلسفة اليوم، ومحاولة فهم ما إذا كانت تشهد “أزمة تحول” أم أنها تمر بمرحلة انتقال جديدة تعيد تعزيز مكانتها وسلطتها العليا في ضوء ما نشهده من تطورات خطيرة في عصرنا السائل.
وقبل الكلام عن اهم التحولات وإيجاد الأجوبة لتلك التساؤلات لابد من تعريف الفلسفة في الفكر القديم والمعاصر، فقد عُرفت الفلسفة على انها ((لفظ مشتق من اليونانية واصله (فيلا – صوفيا)، ومعناه محبة الحكمة. ويطلق على العلم بحقائق الاشياء، والعمل بما هو اصلح، والفلسفة أيضا هي (( شكل من اشكال الوعي الاجتماعي، يمثل نسقا من المفاهيم العامة عن العالم ومكانة الانسان فيه، والاساس النظري لرؤية العالم)) كما ورد تعريف الفلسفة في كتاب دروس في الفلسفة على انها ((الحكمة الانسانية، أي: ارقى معرفة مقدورة لنا بوسائلنا الخاصة التي هي العقل ومناهجه))، فمن خلال هذه التعاريف نستخلص ان الفلسفة هي معرفة يمكن الحصول عليها من الوعي والفكر والتفكير والتأمل والعقل والحدس، لكن السؤال هنا هل تكفي هذه الأدوات لفهم وتشخيص شواخص عصرنا الرقمي الان.
فعندما نناقش هذه الإشكالية لابد من تسليط الضوء على كيفية تعامل الفلسفة مع المتغيرات المعاصرة، وما إذا كان من الممكن أن تظل ركيزة أساسية لفهم العالم ومتغيراته من حولنا، وذلك لان الفلسفة منذ فجر التاريخ تعد محركًا رئيسيًا للإنسانية، لاكتشاف أسرار الوجود، وفهم أعمق للحياة والعقل. اذ كانت مرشدًا للبحث في الأسئلة الكبرى التي لا تتوقف عن إثارة الفضول البشري. ومع تطور العلوم والتقنيات في العصر الحديث، بدءًا من الثورة الصناعية وصولاً إلى الاكتشافات الكبرى في مجالات الفيزياء، والطب، والذكاء الاصطناعي إذا أصبح السؤال عن مكانة الفلسفة ودورها وحضورها اليوم أكثر إلحاحًا.
بمعنى ان البعض يعتقد ان عصرنا الان وفق ما وصل اليه من تطور تكنولوجي وعلمي كبير في جميع مجالات الحياة المتنوعة أصبح بعيدا عن حاجته للفلسفة بل تم استبعادها بحجة انتهاء عصر الغيبيات وأصبحت جميع الظواهر الطبيعية او الفلكية لها دراسات علمية متطورة تقف عند اهم مكوناتها وأسباب حدوثها، فضلا عن ظهور نظريات متطورة في علم النفس والاجتماع والاقتصاد، الا ان هناك بالجانب المقابل العديد من المواضيع المعاصرة ما زالت بحاجة دائما إلى منظور وتفكير فلسفي عميق، لأنها تتجاوز حدود العلم والتجربة كونها مواضيع مستحدثة تطرح تساؤلات حول القيم، والمعنى وغيرها من المواضيع الجوهرية بمضمونها الاشكالي التي لا يمكن دراستها إلا فلسفيًا ومن اهما.
الحرية. تعد الحرية ومفهومها بعدا فلسفيًا شائكًا، وهذا ما جعلها متناقضة مابين مجاليها النظري والتطبيقي ونفس الامر الذي جعلها نقطة اختلاف لدى العديد من المفكرين والفلاسفة، لاسيما في عصر الحالي عصر التكنولوجيا المتقدمة والبيانات الضخمة. التي تجعلنا دائما نتساءل هل لدينا فعلاً حرية إرادة في اتخاذ قراراتنا، أم أننا مجرد ايعازات ضمن نظاما رقميا معقدا.
الوعي: على الرغم من التطور الملحوظ في مجال العلوم البيولوجية والطبية الا ان لا يزال مفهوم الوعي وتطوره بحاجة إلى تفسير فلسفي. كيف يمكن تفسير الوعي الذاتي؟ هل هو مجرد انعكاس لمنظومتنا العصبية، أم أنه ناتج عن أوامر نجهلها.
المساواة. تعد قضايا العدالة والمساواة من أكبر المشكلات وأكثرها إلحاحًا في عالمنا المعاصر. بعد ان تم إزاحة مفهومها الطبيعي وجعلها أقرب الى ما يسمى بالتسوية- تسوية الانسان الذي فضله الله ببقية الكائنات، كما التي نادت بها نظرية (القرد الأعظم) في اوربا، هذه الممارسات وغيرها التي طالت الانسان ومنظومته الانسانية تجعلنا بحاجة إلى منظور فلسفي أعمق لإعادة بناء هذه المفاهيم.
الهوية: أصبحت الهوية وفق مبادئ العولمة والتغيرات الثقافية من أكثر المفاهيم معاناة وذلك لان الهوية الشخصية والوجود الفردي يخضع لعالم متغير، سادت فيه الكثير من القضايا الإشكالية مثل الجندر والعرق والمذهب والتنوع الثقافي، وكل هذه المواضيع تُثير تساؤلات فلسفية حول كيف يمكننا تُشكل هويتنا في عالم متعدد الاختلافات.
هذه المواضيع وغيرها من المواضيع الشائكة هي مجرد أمثلة على القضايا التي تزداد تعقيدًا في العصر الحالي، ولا يمكن فهمها أو معالجتها إلا من خلال نظرة فلسفية تبحث في الأسس والمفاهيم الأساسية التي تشكل حياتنا، قيمنا، وواقعنا.