سياسة أمريكا في الشرق الأوسط: إسرائيل أولاً

اجنادين نيوز / ANN
بقلم الدكتور جين ليانغشيانغ
باحث أول في معاهد شانغهاي للدراسات الدولية

شنغهاي – من النادر أن يختلف أحد على أن حماية إسرائيل كانت ولا تزال أولوية قصوى في سياسة الولايات المتحدة تجاه المنطقة. ومع ذلك، قلة من كانوا يتوقعون أن تصل سياسة الولايات المتحدة الداعمة لإسرائيل إلى هذا الحد كما ظهر في الجولة الأخيرة من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وقد امتثلت دول المنطقة للولايات المتحدة لأسباب مختلفة، لكن التحركات الأخيرة مثل اقتراح ترامب بنقل الفلسطينيين إلى مصر والأردن أشارت إلى أن التسويات لا تُكافأ بشكل جيد. لذا، يجب على دول المنطقة أن تستخلص الدرس بأن التسوية ليست حلاً أبداً.
لقد أعدّ الباحثون في جميع أنحاء العالم كمًّا هائلًا من الأدبيات حول سياسة أمريكا تجاه الشرق الأوسط، حيث تلعب الولايات المتحدة دورًا بالغ الأهمية في المنطقة باعتبارها فاعلًا خارجيًا، وأحيانًا تكون الأكثر نفوذاً في الشؤون الإقليمية.
بصفتي باحثًا متخصصًا في قضايا الشرق الأوسط، كنت أقضي وقتي في دراسة الديناميات المعقدة وراء سياسة الولايات المتحدة تجاه المنطقة. لكن عندما تحدثت في عام 2013 مع أستاذ أمريكي كبير لم يكن متخصصًا في قضايا الشرق الأوسط حول موضوع بحثي، شكا لي بغضب من أن سياسة أمريكا في المنطقة يمكن تلخيصها بثلاث كلمات: “إسرائيل”، “إسرائيل” و”إسرائيل”.
رغم معرفتي بموقف أمريكا الداعم لإسرائيل، إلا أنني صُدمت من هذا التوصيف، بل وشككت في البداية فيما إذا كان الأستاذ الامريكي يتحدث بتأثر عاطفي بسبب استيائه الشخصي من الإفراط في استخدام موارد أمريكا الاستراتيجية والاقتصادية لصالح إسرائيل. كنت أعتقد أن قوة عظمى، تصف نفسها بأنها قائدة المجتمع الدولي، لا يمكن أن تبني سياستها تجاه منطقة مهمة على اعتبار واحد فقط. ورغم أن الأستاذ قد لا يكون لديه خلفية كافية كونه غير متخصص في دراسات الشرق الأوسط، إلا أنه ربما كان من أكثر الأكاديميين الأمريكيين موضوعية في فهم سياسة الولايات المتحدة بهذا الشأن. قد يكون السبب ببساطة هو أن عدم ارتباطه الشخصي بالمنطقة جعله أكثر حيادية.
وفقًا للإحصاءات، قدمت الولايات المتحدة مساعدات تزيد قيمتها عن 260 مليار دولار لإسرائيل خلال العقود السبعة الماضية. كما استخدمت حق النقض (الفيتو) ضد جميع القرارات تقريبًا التي تدين احتلال إسرائيل وأعمالها العسكرية ضد الفلسطينيين، مما مكّن إسرائيل من التهرب من أي مسؤولية عن فظائعها. بالإضافة إلى ذلك، دعمت الولايات المتحدة إسرائيل في بناء قدراتها العسكرية، مما مكّنها من الحفاظ على تفوقها العسكري على فلسطين وجيرانها العرب.
انحياز الولايات المتحدة لإسرائيل منذ أزمة “طوفان الأقصى” تجاوز كل التوقعات في العالم المعاصر. ففي الأشهر الستة عشر الماضية، فقد أكثر من 40 ألف فلسطيني من سكان غزة حياتهم بسبب العمليات العسكرية الإسرائيلية، وقضى ما يقرب من 200 ألف شخص بسبب الجوع أو نقص الرعاية الطبية أو ظروف المعيشة القاسية. ما حدث في غزة يُعد كارثة إنسانية وأخلاقية. وبينما تغض الولايات المتحدة الطرف وتصم آذانها عن هذه الكوارث، تواصل تقديم المساعدة العسكرية للمعتدي وتوفر له الحماية السياسية.
ما هو أكثر إثارة للدهشة هو اقتراح ترامب الأخير بأن تستولي الولايات المتحدة على غزة وتطور العقارات فيها بينما يتم توطين سكان غزة في مصر والأردن. ورغم أن الولايات المتحدة قد لا تتمكن من تحقيق هذا الهدف لأن الاقتراح يتجاوز الخطوط الحمراء للدول العربية المجاورة، إلا أن هذا يعكس بوضوح عقلية الاستيلاء السافر على الممتلكات الشرعية لشعب عاش هناك منذ آلاف السنين.
بالنظر إلى جهود ترامب في فترة ولايته الأولى لإضفاء الشرعية على احتلال إسرائيل للأراضي، من المتوقع أن تواصل إدارته الاعتراف بالمكاسب الإقليمية والأمنية التي حققتها إسرائيل في فلسطين والمناطق المجاورة.
يشهد الشرق الأوسط، كنتيجة لتداعيات أزمة “طوفان الأقصى”، تغيرًا عميقًا في النظام الإقليمي. ستظهر ملامح هذا النظام في جوانب متعددة، بينما تتنافس القوى الإقليمية والدولية لترتيب الأوضاع المستقبلية بما يخدم مصالحها. ومن أبرز هذه الملامح سعي إسرائيل للحصول على دعم أمريكي لتحقيق هيمنتها الإقليمية بأقصى قدر من المكاسب الإقليمية والأمنية، إلى جانب مساعيها لتطبيع العلاقات مع مزيد من الدول العربية والتخلي عن حل الدولتين.
إن الترتيبات التي تسعى إليها كل من إسرائيل والولايات المتحدة ستقوض ليس فقط القضية المشروعة للشعب الفلسطيني، بل أيضًا استقرار المنطقة بأسرها. وسيجد الفلسطينيون أنفسهم في أوضاع أشد يأسًا في مواجهة ظروف بقاء قاسية. وقد تشهد دول المنطقة اضطرابات داخلية متزايدة حيث ستواجه شرعيتها السياسية تحديات جديدة من شعوبها الرافضة لسياسات الامتثال غير المعقولة. وستواجه مصر والأردن، الجارتان القريبتان، ضغوطًا خاصة من تدفق اللاجئين. وقد تشهد المنطقة بأكملها ردود أفعال عنيفة أكثر شراسة ضد الاحتلال والإذلال المتعمد.
الدروس المستخلصة مريرة، وأحدها هو أن التسوية ليست أبدًا طريقًا للحل. فعلى مدى سنوات عديدة، سعت بعض دول المنطقة للحصول على الحماية الأمنية من الولايات المتحدة وامتثلت لمطالبها ومطالب إسرائيل لهذا الغرض، لكنها اكتشفت في النهاية أن الامتثال يؤدي إلى مزيد من المطالب وأنها لن تكون أبدًا في نظر الأمريكيين سوى مواطنين من الدرجة الثانية. فما هو إذن مصير التسوية؟
على الرغم من السعي المستمر لحماية أمنية من الولايات المتحدة، فإن الأمن، سواء على المستوى الفردي أو الإقليمي، لم يتحقق أبدًا كما أثبتت عقود من الاضطرابات وعدم الاستقرار. إن الحماية الأمنية الأمريكية ليست حقيقة ملموسة، بل هي سراب.
الدروس مريرة، ولكن هل سيتم التعلم منها؟

زر الذهاب إلى الأعلى