إعادة الاعتبار لنصب “المرأة الميسانية” تحية للوفاء والإبداع

اجنادين نيوز / ANN
سمير السعد
في خطوة تعكس التزامًا حقيقيًا بالحفاظ على التراث الثقافي ودعم الفن والفنانين، أطلق محافظ ميسان، الأستاذ حبيب ظاهر الفرطوسي، مبادرة رائدة لإعادة ترميم نصب “المرأة الميسانية”، الذي طالته يد التغيير والتهميش خلال الحقبة السابقة. هذه المبادرة ليست مجرد جهد لترميم منحوتة فنية، بل هي خطوة في مسار إعادة الاعتبار للرموز الثقافية التي تعكس الهوية التاريخية والحضارية لميسان والعراق ككل.
يُعتبر هذا النصب، الذي أبدع في تصميمه النحات أحمد البياتي، من أبرز المعالم الفنية التي تحتفي بدور المرأة الميسانية، بوصفها رمزًا للعطاء والمثابرة والنهضة. أنجز البياتي هذا العمل على نفقته الخاصة، مدفوعًا بإيمانه العميق بضرورة تخليد صورة المرأة المكافحة التي تساهم في بناء المجتمع.
إلا أن هذا النصب تعرض خلال حكم النظام السابق لمحاولة تجيير رمزيته، إذ تم تغيير اسمه ليخدم أجندات سياسية لا تمتّ بصلة إلى رسالته الحقيقية. ورغم ذلك، بقيت الرموز والدلالات التي يحملها التمثال ناطقة بروح المرأة العراقية الصلبة، حيث يصور النصب امرأة تحمل في إحدى يديها عجلة التقدم، بينما تنساب من اليد الأخرى نبتة الحياة والنمو والخصب، المستوحاة من الرمزية السومرية التي تُمجّد العطاء والتجدد.
ما قام به محافظ ميسان من إعادة ترميم النصب وإعادته إلى سياقه الصحيح، يمثل خطوة جوهرية في إنصاف الفن والفنانين. فالثقافة والفن لا يقلان أهمية عن أي بُعد آخر في بناء المجتمع، بل يشكلان الهوية الحقيقية لأي أمة. والمبادرات من هذا النوع تعكس رؤية حضارية تحترم التراث، وتقدر دور الفنانين في نقل القيم الإنسانية العريقة.
محافظ ميسان ، من خلال دعمه لهذا المشروع، أثبت أن المسؤولية الحقيقية لا تقتصر على الجانب الإداري فقط، بل تمتد لتشمل دعم الإبداع والفكر الحر. فالفنانون والمثقفون هم ضمير الأمة، وهم الذين يُسهمون في ترسيخ الهوية الوطنية وصياغة الوعي المجتمعي.
إن إعادة الحياة لهذا النصب ليست مجرد إعادة بناء لقطعة فنية، بل هي إعادة كرامة للفن العراقي، ورسالة واضحة بأن الإبداع الحقيقي لا يُطمس، بل يعود أقوى مهما حاولت الظروف إخفاءه. ومن خلال هذه المبادرة، يتم إرسال إشارة إلى جميع الفنانين بأن أعمالهم ستظل محل اهتمام وتقدير، وأن صوتهم سيظل مسموعًا في ظل قيادة تدرك قيمة الثقافة والفن في المجتمع.
إننا اليوم، ونحن نشهد هذه الخطوة المهمة، نتطلع إلى المزيد من المبادرات الداعمة للحركة الفنية والثقافية في ميسان والعراق عمومًا. فتحقيق النهضة الثقافية لا يكون إلا عبر الاهتمام بالفنانين، ودعم الإبداع، والحفاظ على التراث الفني، وإعادة الاعتبار لكل من ساهم في رسم صورة مشرفة للهوية العراقية.
كل الشكر والتقدير للأستاذ حبيب ظاهر الفرطوسي على هذه المبادرة الراقية، التي تؤكد يومًا بعد يوم أنه مسؤول يتحلى بقدر عالٍ من الوعي والمسؤولية والحرص على دعم المثقفين والفنانين. كما نوجه تحية تقدير واعتزاز للفنان أحمد البياتي، الذي قدم لنا هذا النصب تخليدًا لقيم المرأة العراقية المكافحة.
إن ميسان، بمبادرات كهذه، تثبت أنها ليست فقط مدينة ذات تاريخ عريق، بل هي أيضًا حاضنة للإبداع، تدرك قيمة الفن في بناء الإنسان والمجتمع.