الصناعات التراثية .. هوية ثقافية وتاريخية

اجنادين نيوز / ANN
بقلم/عامر جاسم العيداني
كانت البصرة تشتهر بالصناعات التراثية ولها اسواقها الخاصة .. مثل سوق الصفافير وسوق الخزف وسوق الحدادين ، ولكنها اختفت تماما ، الا من بعض الجهود الفردية ، و هذا يمثل تحدياً كبيراً للحفاظ على الهوية الثقافية والتاريخية للمدينة .
ويُذكر ان سوق الصفّافير في البصرة كان واحدا من الأسواق التراثية والتاريخية المهمة في العراق، ويُعدُّ رمزاً من رموز المدينة الثقافية والحضارية ، حيث كان يتميز بتخصصه في صناعة وبيع الأدوات النحاسية والمصنوعات اليدوية التقليدية ، بالإضافة الى صيانتها والتي تعكس مهارة الحرفيين العراقيين وإبداعهم في تشكيل النحاس ونقشه بأشكال وزخارف تراثية.
يوفر هذا السوق فرصَ عمل للحرفيين والبائعين الذين يعتمدون على هذه الصناعات كمصدر رزق ويساهم في تعزيز الاقتصاد المحلي من خلال بيع المنتجات التراثية، و يساعد في الحفاظ على الحرف اليدوية التقليدية من الاندثار، خاصة في ظل التحديات الحديثة ويعدُّ مركزاً لتعليم الأجيال الجديدة هذه المهارات التراثية.
إن الضرورة تحتم إعادة إحياء سوق الصفافير والذي يعدُّ جزءاً لا يتجزأ من تاريخ البصرة وثقافتها، والحفاظ عليه للأجيال القادمة.
وهناك صناعة اخرى تشتهر بها البصرة وهي الصناعات التي تعتمد على “جريد النخل (أغصان النخيل) والخوص (أوراق النخيل) ” وتُعدُّ من أقدم الحرف اليدوية في المدينة لكثرة النخيل فيها ، هذه الصناعات تعكس مهارة الحرفيين في تحويل المواد الطبيعية إلى منتجات جمالية مفيدة.
وأهم المنتجات المصنوعة من جريد النخل والخوص السلال والحقائب متعددة الاستخدامات، وتُستخدم لحمل الفواكه والخضروات أو كمنتجات تراثية للبيع ، ويُصنع الحصير من الخوص لاستخدامه كفرش للأرضيات أو كسجاد تراثي.
ويُصنع من جريد النخل أثاثٌ خفيف مثل الكراسي والطاولات والأسرة، والتي تُستخدم في الحدائق أو كقطع ديكور تراثية ، بالإضافة الى أقفاص الطيور وهي خفيفة الوزن وطبيعية.
ولا ننسى صناعة مراوح يدوية من الخوص (المهفة) ، والتي تُستخدم للتهوية، ولا تزال تُباع كقطع تراثية.
ويُصنع من الخوص وجريد النخل تحفٌ فنية تُستخدم في تزيين المنازل أو كهدايا تراثية.
وهناك صناعة الخزف والفخار التي اصبحت من الماضي ، والتي تصنع من الطين ، وتشمل أواني المياه (الحِب و الشربة) وادوات الموسيقى (الطبلة) وغيرها .
ويتطلب الأمر جهوداً حكومية بتبني اعادة هذه المهن والاسواق، وتكون البداية من خلال البحث عن المهتمين بهذه الصناعة والذين لديهم خبرة من اجل إقامة دورات تدريبية لتعليم الشباب المهارات الحرفية التراثية وتكون بالتعاون مع المدارس والجامعات لتضمين الحرف اليدوية في المناهج التعليمية، ودعم الحرفيين المحليين بتوفير التمويل المالي والفني لهم لتمكينهم من الاستمرار في إنتاج الصناعات التراثية وانشاء سوق خاص بهم ، ويكون الدعم من خلال إنشاء صندوق خاص يكون تمويله مشترك من الحكومة المحلية وجزء من ايرادات مبيعات الحرفيين وتوفير المواد الخام بأسعار مخفضة، والعمل على التسويق والترويج للمنتجات وذلك بتنظيم معارض وورش عمل لعرض المنتجات التراثية وجذب السياح والمهتمين ، بالإضافة الى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت للترويج لهذه المنتجات على نطاق واسع.
وعلى الحكومة القيام بإصدار قوانين تحمي الصناعات التراثية وتدعم استمراريتها ومنح شهادات وعلامات تجارية خاصة بالمنتجات التراثية لضمان جودتها وأصالتها، وضرورة التعاون مع منظمات مثل اليونسكو للحصول على الدعم الدولي في الحفاظ على التراث الثقافي والمشاركة في برامج التبادل الثقافي لعرض الصناعات التراثية على المستوى العالمي.
وأخيراً نوجه دعوة الى الحكومة المحلية بتشكيل دائرة خاصة تتبنى إعادة هذه المهن وتطويرها وفتح اسواق ومعارض للترويج والتسويق ، لما لها من اهمية اقتصادية وثقافية وسياحية .