مذابح الإبادة الجماعية والتهجير القسري

اجنادين نيوز / ANN
الدكتورة كريمة الحفناوي
فى الساعة التاسعة وأربعين دقيقة من صباح يوم الثامن من إبريل عام 1970، قصف الطيران الحربى الصهيونى بطائرات الفانتوم الأمريكية، مدرسة بحر البقر الابتدائية، بجمهورية مصر العربية. يالا لوعة وحزن الأمهات اللاتى ودعن بناتهن وأولادهن فى الصباح الباكر، وبدلا من عودتهم إلى أحضان أمهاتهم، عادوا أشلاءً فى الكفن الأبيض فى يوم حزين أسود.
منذ 55 عاما ارتكب العدو الصهيونى فى الثامن من إبريل مجزرة مدرسة بحر البقر الابتدائية فى عزبة الصالحية – 3 بمحافظة الشرقية بجمهورية مصر العربية، والتى راح ضحيتها خمسون شهيداً وشهيدة منهم 36 تلميذاً وتلميذة فى عمر براعم الزهور، وعدد من العاملين فى المدرسة وسالت دماء الأطفال الأبرياء لتلوِّن وتصبغ وتُخضِّب أوراق الكراريس والكتب المدرسية باللون الأحمر، شاهدة على جرم ووحشية هذا الكيان الصهيونى الاستيطانى العنصرى.
“مدرسة بحر البقر الابتدائية المشتركة” التى تتكون من دور واحد يضم 3 فصول وحجرة الإدارة، تم نسفها بالكامل لتشهد أرضها المروية بدماء الأطفال على مجازر الكيان الصهيونى الاستيطانى العنصرى الغادر.
وفى الذكرى الخامسة والخمسين لمذبحة بحر البقر، نتذكر مزيداً من المذابح، فإذا راجعنا وقرأنا التاريخ نجد أن العصابات الصهيونية منذا أكثر من 100 عام على صدور “وعد بلفور المشئوم 1917″، دأبت على ارتكاب المجازر والمذابح، من أجل تهجير السكان الأصليين العرب الفلسطينيين من أراضيهم.
لقد قامت العصابات الصهيونية فى عام 1948 بمحو أكثر من 400 قرية وبلدة فلسطينية وتهجير أهالى تلك البلدان إلى خارج فلسطين، وفى التاسع من إبريل عام 1948 قامت العصابات الصهيونية (الأرجون، وشتيرن) بقيادة السفاح مناحم بيجين ب “مذبحة دير ياسين”، بالاعتداء على القرية، التى تقع غرب مدينة القدس، فى الساعة الثالثة فجراً، وقاموا بذبح وإصابة 300 من الشعب الفلسطينى، ومنهم النساء والأطفال والشيوخ، ومثلوا بجثثهم وبقروا بطون النساء الحوامل، وذلك لطردهم من أراضيهم ومنازلهم، وبث الرعب فى نفوسهم وإجبارهم على الهرب، لاحتلال أراضيهم والاستيلاء على ممتلكاتهم.
تلك المذبحة التى قال عنها مناحم بيجين فى مذكراته “كثير لامونا على ماحدث فى دير ياسين ولكن لاشك فى أن هذا أعقبه هجرة ضخمة للفلسطينيين إلى الخارج”.
كما ارتكب الصهاينة مجزرة صابرا وشاتيلا عام 1982 باقتحام المخيمات الفلسطينية فى بيروت والتى راح ضحيتها أربعة آلاف من الفلسطينيين.
وإذا انتقلنا لجريمة التهجير القسرى نجد أن التهجير القسرى انتهاك للقانون الدولى وفقا للمادة (49) من اتفاقية جنيف والتى تحظر النقل القسرى الجماعى أو الفردى للأشخاص المحميين من الأراضى المحتلة، كما ينص نظام روما الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية فى المادة(8) التهجير القسرى جريمة حرب تستوجب المحاكمة.
والمادة (1) من ميثاق الأمم المتحدة تنص على حق الشعوب فى تقرير مصيرها، كما تنص قرارات الأمم المتحدة على عدم الاستيلاء على الأراضى بالقوة، وينص الإعلان العالمى لحقوق الإنسان فى مادته (13) على حق كل فرد فى التنقل واختيار محل إقامته داخل حدود دولته.
ومازال مسلسل التهجير القسرى والإبادة الجماعية مستمرا على مدى سبعة وسبعين عاما على يد الكيان الصهيونى منذ نكبة 1948، ففى السنتين الأخيرتين ومنذ تولى الحكومة اليمينية المتطرفة الحكم فى بداية عام 2023، يرتكب العدو الصهيونى جرائم يومية ضد الشعب الفلسطينى، بجانب هجوم المستوطنين اليومى على القرى الفلسطينية والتنكيل بالشباب وقتل النساء والأطفال، وحرق المنازل والممتلكات، هذا بجانب اعتداءات اليهود اليمينيين المتطرفين اليومية، على المسجد الأقصى وعدد من المقدسات الإسلامية والمسيحية فى مدينة القدس.
ومنذ العدوان الصهيونى على الشعب الفلسطينى على مدى 18 شهرا منذ طوفان الأقصى فى السابع من أكتوبر 2023 وحتى الآن، تواصل الحكومة اليمينية العنصرية المتطرفة التطهير العرقى للفلسطينيين، لإنشاء دولة يهودية خالصة وفقا لقانون “القومية اليهودية” الذى أقره الكينيست الإسرائيلى فى عام 1918 (بعد مجيء السيد دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة الأمريكيه، واعترافه بأن القدس عاصمة اسرائيل الأبدية). وفى الأسبوع الأول من شهر أغسطس 2024، صوت أعضاء الكنيسيت الإسرائيلى برفض قيام دولة فلسطينية.
ويقوم الكيان المجرم بتوجيه نداء إلى مواطنى قطاع غزة بالنزوح إلى مصر، حفاظا على حياتهم، وأيضا يقوم العدو بمجازر وحشية فى الضفة الغربية لتهجير الفلسطينيين إلى الأردن قسريا، بما يعنى تصفية القضية الفلسطينية، وبالطبع رفضت مصر دولة وشعبا ذلك، ورفضت الأردن، ويرفض الفلسطينيون أنفسهم لأنهم ولدوا وسيدفنون على أرضهم، والتى يدفعون كل يوم ثمن الدفاع عنها، حيث تم استشهاد مايقرب من 51 ألف شهيد 70% منهم نساء وأطفال وأكثر من 115 ألف مصاب هذا غير حوالى10 آلاف من المفقودين تحت الأنقاض.
ولقد أعلنت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، فى 5 إبريل 2025، أن 1،9 مليون شخص تشردوا قسريا فى قطاع غزة، وأن انهيار وقف إطلاق النار تسبب فى موجة أخرى من التشريد، أثرت على 142 ألف شخص بين 18 و23 مارس الماضى، هذا بجانب المجازر المستمرة فى مخيمات الضفة الغربية فى جنين، وطولكرم، ونور شمس.
وفى سياق متصل قالت فرانشيسكا ألبانيزى، المقررة الأممية لحقوق الإنسان فى فلسطين “إن مايحدث فى غزة ليس حرباً بل إبادة جماعية، وأنه لا توجد حماية لأرواح الفلسطينيين”.
لقد فاقت الجرائم التى يرتكبها الكيان الصهيونى فى عدوانه على الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة والضفة الغربية، ماقام به المغول والتتار وما قامت به النظم الفاشية والنازية عبر التاريخ، وبالرغم من ذلك (يتفرج) العالم الرأسمالى الاستعمارى المسعور المتوحش، وعدد من الأنظمة الرجعية العربية التابعة للولايات المتحدة الأمريكية، ويشاهد بصمت مخزٍ وضمير غائب، هذا بجانب من يشارك الكيان الصهيونى بالعتاد والأسلحة والأموال كالولايات المتحدة الأمريكية وعدد من الدول الاستعمارية الغربية.
لقد خرجت شعوب العالم الحرة بالملايين لتطالب ونطالب معها بوقف الحرب الجهنمية فورا، وفك الحصار عن القطاع، وفتح المعابر لدخول المساعدات الإنسانية، ومحاكمة مجرمى الحرب من الصهاينة وشركاؤهم أمام المحاكم الدولية، ورُفِعت فى المظاهرات شعارات لا للتهجير القسرى، لا للإبادة الجماعية، لا للتطهيرالعرقى، ونعم لتحرير فلسطين وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، وعودة اللاجئين وتعويضهم.
المجد والخلود للشهداء الأبرار، والشفاء للجرحى، والحرية للأسرى، والنصر للمقاومة، والبقاء للشعوب، والزوال للاحتلال، والخزى والعار للمتواطئين والصامتين والمتخاذلين والمستسلمين والمنبطحين.