الحرب التجارية الأمريكية

اجنادين نيوز / ANN
الدكتورة كريمة الحفناوي /رئيس فرع مصر في الإتحاد الدولي للصحفيين والاعلاميين والكتاب العرب أصدقاء وحلفاء الصين
إن السياسات الأمريكية الرأسمالية المتوحشة المعسكرة التى ينتهجها ترامب منذ مجيئة إلى سدة الحكم فى 20 يناير 2025، على المستوى الخارجى، والسياسات الداخلية المستبدة والإقصائية المخالفة للدستور ستكون بداية النهاية للسياسات الإمبريالية والنيو ليبرالية.
ومن هذه السياسات التحكم فى المجمع الصناعى العسكرى، ووكالة التعاون الدولى وإقالة أكثر من ألف موظف من مختلف الأجهزة، ومطالبته لموظفى مكتب التحقيقات الفيدرالى ووكالة المخابرات المركزية الاستقالة، وغيرها من السياسات المضرة بالولايات الأمريكية سياسيا واقتصاديا،كترحيل المهجرين، بل والاستيلاء على جزر وبلدان ذات سيادة، والانسحاب من كل أومعظم المنظمات الدولية، والانسحاب أيضا من الاتفاقيات الدولية، هذا بجانب الدعم التام للكيان الصهيونى فى إبادته للشعب الفلسطينى والعمل على تهجيره قسريا لإنشاء الدولة اليهودية)
لم يكتفى دونالد ترامب بهذه القرارات التى وقَّعها فى أوائل حكمه، ولكنه بدأ فى حرب اقتصادية تجارية، (تقوِّض نظام التجارة العالمى وتتناقض مع اتفاقيات الجات وقوانين منظمة التجارة العالمية) مع كل دول العالم شماله وجنوبه وشرقه وغربه، الدول التى يعاديها، وأيضا الدول الحليفة وفى مقدمتها دول الاتحاد الأوروبى الذى استشاط غضبا واستفاق على المثل الشعبى العربى (المتغطى بأمريكا عريان).
مازال دونالد ترامب يحلم باستمرار هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية كقطب واحد يسيطر على العالم، ويتحكم فى مصير دوله وشعوبه، وينهب ثرواته، ومن لم يواقفه ياويله من عواقب التاجر البلطجى ترامب، حيث سيتوعده بالحرمان من الرضا السامى، وسيُنزِل به العقوبات الاقتصادية، أو يحرك الانقلابات ضده فى الداخل ليسقطه، ويجيىء بحكم موالٍ لأمريكا ينفذ أوامرها صباحاً ومساءً، وإذا لم يرتدع بالإمكان اغتياله، أو تحريك الصراعات الداخلية العرقية والمذهبية والطائفية لإشعال الفتن والحروب الداخلية، أو بالعدوان العسكري المباشر.
لم يتفهم ترامب ولم يعي أو لم يُرِد أن يصدق أن العالم بدأ يتغيرمنذ بداية القرن الواحد والعشرين، وأن هناك أقطاباً أخرى بدأت تصعد استراتيجيا واقتصاديا وعسكريا، بل وتتفوق عليه فى العديد من المجالات، وفى مقدمة هذه الأقطاب الصين وروسيا. كما لم يدرك أن سياسة الصين الخارجية تقوم على مبدأ العلاقة بين الدول على أساس المصير المشترك والمنفعة المشتركة والتعاون لخير الشعوب وعدم التدخل فى سيادة الدول، وتعمل على نشر السلام، وتنتهج مبدأ المفاوضات السلمية من أجل حل الأزمات والصراعات.
لم يدرك ترامب مايدور حوله فى دول أمريكا اللاتينينة وفى مقدمتها جمهورية فنزويلا البوليفارية، والتى تتعاون مع عدد من دول أمريكا اللاتينية لمواجهة النيو ليبرالية الأمريكية المتوحشة والمعسكرة، وأيضا فى الوقوف ضد الكيان الصهيونى العنصرى والوقوف ضد عدوانه على الشعب الفلسطينى وقيامه بالتطهير العرقى والإبادة الجماعية. ولقد وقفت العديد من الدول ضد الفاشية الأمريكية الصهيونية، وقامت برفع القضايا ضد مجرمى الحرب الصهاينة أمام محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية ومنها دولتى جنوب إفريقيا ونيكاراجوا.
ويجدر الإشارة إلى أنه فى 29 نوفمبر 2024 (اليوم العالمى للتضامن مع الشعب الفلسطينى)، تجمعت الوفود من معظم دول العالم ومنها مصر فى كاراكاس عاصمة فنزويلا، لإعلان الدعم والمساندة للشعب الفلسطينى وتشكيل ” الحركة الدولية المناهضة للفاشية”.
كما قام رئيس فنزويلا نيكولاس مادورو بالرد على السياسة الأمريكية العنصرية ضد المهجرين، والتى وصلت لاختطاف 324 فنزويليا فى الولايات المتحدة الأمريكية، واقتيادهم إلى معسكر اعتقال نازى فى السلفادور،حيث طالب برجوعهم إلى فنزويلا، ورفع الأمر إلى الأمين العام للأمم المتحدة، والمفوضية السامية لحقوق الإنسان، وطلب منهما كسلطات عليا الحرص حتى تستجيب حكومة السلفادور قضائيا وتسليم الفنزويليين المختطفين.
قامت العديد من دول العالم بالوقوف فى مواجهة ترامب وسياساته الجنونية، التى ستشعل الحروب والصراعات العسكرية والاقتصادية والتجارية، بين الولايات المتحدة الأمريكية، ودول الاتحاد الأوروبى، والدول العربية والإفريقية، والدول الأسيوية ومنها العملاق الصينى، ودول أمريكا اللاتينية (التى تعتبرها الولايات المتحدة الأمريكية الحديقة الخلفية لها وتستمر فى استنزاف ثرواتها) ومنها المكسيك وبنما وكولومبيا وفنزويلا وبوليفيا وكوبا، هذا بجانب جنوب إفريقيا التى قامت فى الأيام الأخيرة بتوقيف جميع الشركات الأمريكية على أراضيها وأوقفت تصدير المعادن إلى أمريكا، ردا على فرض أمريكا رسوما جمركية باهظة على وارداتها من جنوب إفريقيا
وعندما شرع ترامب فى إشعال الحرب التجارية بفرض رسوم جمركية على واردات بلاده تتراوح بين 10% وتصل إلى 50% وأكثر، بدأت الدول الأوروبية والأمريكية والأسيوية ترد عليه بنفس الطريقة، وفرضت رسوما على وارداتها من الولايات المتحدة الأمريكية بنفس النسبة، وبالرغم من ذلك استمر ترامب فى سياساته الجنونية الحمقاء، وصرخ بصوت عالِ وقال أنه سيزيد الرسوم على وارداته من الصين إلى 50%، وذلك بالرغم من أن هذه السياسات ستضر كل دول العالم بما فيها بلاده والتى خرج الملايين من الشعب فى الولايات والمدن الأمريكية ضد سياسات ترامب ومعاونه إيلون ماسك، التى ستسبب خسائر بالمليارات للمستثمرين الأمريكان، وتتسبب أيضا فى ارتفاع التضخم والركود، ورفع الأسعار، وانهيار الأسواق، وتدهور مستوى المعيشة، وقد تقود لحرب عالمية.
لقد حذر الملياردير بيل أكمان المؤيد لترامب من أن مسار ترامب الحالى قد يُدمِّر الشركات حول العالم، وكتب على منصة التواصل الاجتماعى إكس “من خلال فرض رسوم جمركية ضخمة وغير متناسبة على أصدقائنا وأعدائنا على حد سواء، وبالتالى إطلاق حرب اقتصادية عالمية ضد العالم بأسره فى وقت واحد، فإننا بصدد تدمير الثقة ببلدنا كشريك تجارى”.
وبعد إعلان ترامب تطبيق الرسوم الجمركية، سيطرت حالة من الهلع على الأسواق العالمية، وعاشت البورصات العالمية اضطرابات مثلما حدث عقب جائحة فيروس كورونا، ففى يوم الخميس الماضى 3 إبريل 2025، والذى أُطلِق عليه ” الخميس الأسود” سجل مؤشر داون جونز لبورصة وول ستريت الأمريكية خسارة بنسبة أكثر من 22% من قيمته فى بداية التداول، واعتبر الاقتصاديون أن الأسواق العالمية تعيش أسوأ انهيارات منذ الأزمة الاقتصادية عام 1929.
كما تراجعت الأسهم الأوروبية وسجلت خسائر فى عديد من الدول منها ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، وشهدت بورصات أسيا تراجعا حادا فى اليابان والصين، ووصفت الصين سياسات ترامب بأنها “تنمر اقتصادى”، هذا بالإضافة لخسائر كبيرة فى أسواق دول الخليج.
وفى إطار هذه السياسات الأمريكية المدمِرة للاقتصاد العالمى، بدأت الدول فى مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية حيث انضمت اليابان والصين وكوريا الجنوبية معا لمواجهة تلك السياسات الجمركية تحت شعار “المعاملة بالمثل”، وبدأت دول أوروبا فى وضع سياسات جديدة، تعمل على فك الارتباط مع الولايات المتحدة الأمريكية فى المجالات الاقتصادية والعسكرية.
مما سبق يتبين أن الأحداث تتسارع، وأن العالم لن يستمر كما هو، فالتغيير قادم، ولذا أضم صوتى للعديد من الكتاب والمفكرين الذين يتساءلون، هل نحن أمام نهايات التوحش الرأسمالى العالمى، ونهايات المشروع الصهيونى الاستيطانى العنصرى؟، وبدايات عالم جديد تسوده أقطاب جديدة كروسيا والصين؟.