رحيل البابا فرنسيس… صوت العدالة الذي ناصر فلسطين حتى الرمق الأخير

اجنادين نيوز / ANN

بقلم المهندس/ غسان جابر (القيادي في حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية وعضو الاتحاد الدولي للصحفيين الدوليين واصدقاء وحلفاء الصين )

فقد العالم اليوم قامة روحية وإنسانية نادرة برحيل البابا فرنسيس، رأس الكنيسة الكاثوليكية، الذي شغل الكرسي الرسولي منذ مارس 2013، وكان أول بابا من أمريكا اللاتينية. لم يكن مجرد زعيم ديني، بل كان صوتًا عالميًا مناصرًا للعدالة، ومدافعًا ثابتًا عن حقوق الشعوب المقهورة وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني.

البابا القادم من الجنوب العالمي

وُلد البابا فرنسيس، واسمه الحقيقي خورخي ماريو بيرغوليو، عام 1936 في العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس لعائلة مهاجرة من أصول إيطالية. عُرف منذ شبابه بتواضعه وقربه من الفقراء والمهمّشين. وحين انتُخب بابا للفاتيكان في عام 2013، حَمَل معه رؤية إنسانية ثاقبة، وسلوكًا مغايرًا عن السائد، بعيدًا عن البروتوكولات، قريبًا من الناس.

مواقف واضحة… دعم غير مشروط لفلسطين

تميّز البابا فرنسيس بمواقف جريئة تجاه القضية الفلسطينية، عبّر عنها من خلال كلمات واضحة وخطوات سياسية غير مسبوقة:

في عام 2013، اعترف الفاتيكان رسميًا بـ دولة فلسطين.

في عام 2015، وقّع الكرسي الرسولي أول اتفاق شامل مع دولة فلسطين، تضمن دعمًا لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وإقامة دولته المستقلة على حدود 1967.

في زيارته إلى الأراضي الفلسطينية في مايو 2014، صلّى البابا عند الجدار العازل الذي يقيمه الاحتلال الإسرائيلي، والتقى بالرئيس الفلسطيني محمود عباس، مؤكدًا دعمه للسلام العادل وكرامة الإنسان.

هذه المواقف لم تكن رمزية فقط، بل شكّلت تغييرًا في سياسة الفاتيكان تجاه فلسطين، وأسّست لعلاقات دبلوماسية رسمية تُوّجت بافتتاح السفارة الفلسطينية في الفاتيكان عام 2017.

مواقف إنسانية خلال العدوان على غزة

خلال العدوان الإسرائيلي المتكرر على قطاع غزة، لم يقف البابا فرنسيس موقف المتفرج، بل كان من أوائل من أدانوا “الاستخدام غير الأخلاقي للقوة”، مطالبًا بوقف فوري لإطلاق النار، وإيصال المساعدات الإنسانية للمدنيين.

وفي عيد الفصح المسيحي الأخير، توجّه البابا بكلمة مؤثرة قائلاً:
“يتوجّه فكري إلى شعب غزة، ولا سيما إلى الجماعة المسيحية فيها، حيث ما يزال النزاع الرهيب يولد الموت والدمار، ويسبب وضعًا إنسانيًا مروعًا ومشينًا.”

علاقته مع “إسرائيل”: حذر وانتقاد مباشر

رغم وجود علاقات دبلوماسية بين الفاتيكان و”إسرائيل”، فإن البابا فرنسيس لم يساوم في مواقفه. فقد انتقد الاستيطان، واعتبر القدس مدينة يجب أن تُحترم فيها الأديان، ودعا لحماية المقدسات المسيحية والإسلامية من الاعتداءات، وأدان “غطرسة الغزاة” في فلسطين بشكل علني.

علاقة تاريخية بين الفاتيكان وفلسطين

تعود العلاقات بين الكرسي الرسولي وفلسطين إلى ما قبل عام 1948، حين أُنشئ مكتب القاصد الرسولي في القدس وفلسطين. وقد توّجت هذه العلاقة باتفاقات رسمية، أبرزها:

الاتفاق الأساسي بين الفاتيكان ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 2000.

الاتفاق الشامل مع دولة فلسطين عام 2015، والذي شدّد على حماية الأماكن المقدسة، وحق الفلسطينيين في دولة مستقلة وذات سيادة.

إرث لن يُنسى

برحيل البابا فرنسيس، يخسر العالم رمزًا من رموز النقاء الأخلاقي، ويخسر الفلسطينيون أحد أقوى الأصوات العالمية المناصرة لقضيتهم. رجل لم يخشَ قول الحقيقة، ولم يتردد في الوقوف إلى جانب الشعوب المستضعفة، ولم يتاجر بالدين على حساب المبادئ.

رحل البابا فرنسيس، لكن رسالته ستبقى:
لا عدالة في العالم ما دام شعب فلسطين محرومًا من حقوقه، وما دامت القدس ترزح تحت الاحتلال.

زر الذهاب إلى الأعلى