“تغيير في المقلى… لكن البيض هو نفسه!”

اجنادين نيوز / ANN
بقلم: م. غسان جابر (قيادي في حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية)
من جديد، تعود للواجهة نغمة “التغيير القادم في القيادة الفلسطينية”. وها نحن، كما كل مرة، نعدّل جلستنا، نفتح أعيننا، نحاول أن نصدّق. فالإعلانات تتوالى، والتسريبات تتكاثر، واللقاءات تدور في حلقات مغلقة. أما الشعب، فهو يجلس على الرصيف، يراقب بصمت ممزوج بدهشة العارف، ويسأل نفسه للمرة الألف: “هل من جديد؟”
الحقيقة أننا، ومنذ سنوات طويلة، نعيش في مسرح مفتوح بعنوان “الانتظار”، أبطاله ثابتون، حبكته معروفة، ونهايته دائمًا مؤجلة. التغيير، كما يُطرح اليوم، يشبه إلى حد بعيد تغيير المقلى في مطبخ قديم: الأداة تتبدل، لكن المكونات نفسها، والنتيجة… وجبة محترقة بنكهة الماضي.
نحن لا نتحدث عن أشخاص هنا، فالأسماء كثيرة، بعضها له تاريخ نضالي طويل، وبعضها شق طريقه بصمت. ولكن جوهر الإشكال لا يكمن في الأسماء، بل في المنظومة، في طريقة التفكير، في الآليات التي تحكم “من يأتي؟”، و”كيف يأتي؟”، و”من يختار؟”.
أغلب ما يُطرح تحت عنوان “إعادة ترتيب البيت الفلسطيني” لا يتجاوز كونه تدويرًا للوجوه في ذات الدائرة. قد يتغير المقعد، ويتبدل اللقب، لكن الرؤية تبقى كما هي: غياب للشفافية، ضعف في المحاسبة، وانعدام للإرادة السياسية الفعلية في إشراك الناس، خاصة الشباب، في اتخاذ القرار.
فهل يعقل أن نتحدث عن “قيادة جديدة” دون أن نسأل: متى كانت آخر انتخابات؟ أين هو البرنامج؟ ما هو الأفق؟ وكيف نضمن أن ما يُبنى اليوم لا يكون تكرارًا لما نُقض بالأمس؟
القيادة ليست امتيازًا، بل تكليف. وهي ليست إرثًا، بل مسؤولية تُمنح من الناس وللناس. والتجديد الحقيقي لا يتم بتعديل الأسماء في البيان الختامي، بل بإصلاح العلاقة مع الشعب، بإعادة الاعتبار للمؤسسات، وبفتح الباب أمام الكفاءة لا الولاء، وأمام النزاهة لا التبعية.
نحن لسنا بحاجة لتعديلات شكلية، بل إلى مراجعة جذرية، تعيد تعريف المشروع الوطني وفق متغيرات الواقع، وتضع الإنسان الفلسطيني – كرامته، حريته، وحقه في القرار – في قلب المعادلة.
أما الاستمرار في تقديم القديم بعبارات جديدة، فهو كمن يبيع نفس المنتج بعلبة ملوّنة، معتقدًا أن الزبون لن يلاحظ. ولكن شعبنا، الذي عاش تحت الاحتلال وتحت قهر الانقسام، صار يميّز جيدًا بين التغيير الحقيقي والتجميل المؤقت.
ولذا نقول، بكل محبة ومسؤولية: لا نريد مقلاة جديدة، نريد مطبخًا مختلفًا، طهاةً جددًا، ومكونات طازجة. نريد مشروعًا يتسع للجميع، لا تكرارًا لنفس الوصفة التي لم تشبعنا يومًا.