الذكرى السنوية ال 63 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين والعراق ( الجزء الثاني )
اجنادين نيوز/ ANN
بقلم / وو فو قوي / عبد الكريم
ـ مستشرق وعضو مجمع الكتاب الثقافي الصيني الدولي
ـ عضو معهد العلوم والتقاليد الصينية للثقافية الدولية
ـ كاتب من الصين/ واحد من أهم الخبراء في شؤون الشرق الأوسط الصيني
ـ كبير مستشاري الشؤون الثقافية في مركز الشرق الأوسط للدراسات و التنمية
ـ كبير مستشاري الشؤون الشرق الأوسط في دار نشر إنتركوننتننتال الصينية
ـ مراجعة: الأكاديمي مروان سوداح
الصين والعراق يمثلان حضارتين من أقدم الحضارات في التاريخ، وخلال السنوات ال63 مرت بالبلدين ظروف ومتغيرات كثيرة، سياسية واقتصادية واجتماعية، وكانت هناك خيارات عديدة في كل هذه المجالات وغيرها، ولكن من بين الدعائم التي بقيت ثابتة في حياة الشعبين والبلدين كانت الصداقة التي طبعت العلاقات الصينية – العراقية، ومشاعر الود والاعجاب التي يحملها العراقيون، مسؤولون كانوا أم مواطنون عاديون، تجاه الصين وشعبها وقادتها.
لقد وقفت الصين مع العراق وشعبه ومع الشعب العربي على امتداد التاريخ كله، في مسيرته الطويلة للتخلص من الاستعمار الغربي، ومن ثم التحرر من قيود التخلف الاقتصادي والسير في عملية التنمية وتحقيق الاستقلال الاقتصادي في المراحل التي تلت حصول بلدانه على الاستقلال السياسي.
واذا كان الموقف الصيني – ومازال – في إسناد العرب في صراعهم العادل في قضيتهم المركزية قضية فلسطين، أحد المعالم البارزة في العلاقات العربية الصينية، وأن العرب ومن جانبهم، وقفوا دومًا الى جانب الصين في مسيرتها لأنجاز استقلالها وانتزاع اعتراف المجتمع الدولي بها واصرارها على استرجاع حقوقها و توحيد وطنها. و في هذا الصدد فأن الموقف العربي من مسالة تايوان هو دوما الى جانب جمهورية الصين الشعبية بشكل واضح وصريح.
العراق، بشكل خاص، وفي الوقت الذي يمر فيه بظروف بالغة الصعوبة منذ حوالي عشر سنوات – إذا دمر المعتدون أغلب البُني التحتية التي أقامها العراقيون منذ عدة عقود، وحاولوا تدمير جميع مرافق الحياة المدينة وإرجاع الشعب العراقي الى عصر ما قبل الثورة الصناعية، وباعتراف قادتهم – فإن العراقيين يجدون في الصين الصديق المخلص الذي رفع دائما صوت العدل و الانصاف، وكان لهم موقف واضح في الوقوف ضد سياسات العدوان أو التهديد بها، والتأكيد على ضرورة الرجوع لحكم العقل والمناطق، وحل المشكلات والخلافات عن طريق التفاوض والحوار، والثبات على مبادىء العدل و الأنصاف.
يعاني العراق منذ عام 1990 وحتى الأن من ظروف قاسية للغاية بسبب سياسة الحصار المفروضة ضده والتي أدت الى نتائج صعبة و مؤلمة على الصعيدين العام والخاص، لكن يهمنا أن نشير هنا أن الموقف الصيني كان متميزا في الدعوة الى رفع الحصار والى الاستمرار في سياسة التعاون السياسي والاقتصادي والفني مع العراق ضمن الأطر الممكنة في الظروف الحالية. ولابد أن نذكر هنا بأن العلاقات الصينية العراقية تحظي برعاية قيادة البلدين وعلى أعلى المستويات، ويتم التعبير عن ذلك بالتصريحات الرسمية و المواقف السياسية المعلنة والزيارات المتزالية بين المسؤولين العراقيين والصينيين. ففي هذه السنة فقط زار الصين كل من رئيس المجلس الوطني العراقي ووزير النفط اضافة الى وفود حزبية وفنية، كذلك فأن اللجنة المشتركة بين البلدين قد استأنفت نشاطها بعد بعض الوقت، وقد عقدت في العام الماضي اجتماعا لها في بكين على مستوي وزارى وان المشاورات جارية لعقد اجتماعها القادم في بغداد.
كذلك فأن التبادل التجارى بين البلدين و الذى كان مزدهرا بشكل كبير في السابق , قد استأنف نشاطه بشكل محسوس وفق مذكرة التفاهم بين العراق و الامم المتحدة . وعدا هذا فان التعاون العلمي و الفني بين البلدين سائر بشكل جيد ويوجد في الجامعات الصينية عدد متزايد من الطلاب العراقيين يدرسون في مختلف الفروع العلمية و اللغات.
وعند الحديث عن مجالات التعاون لا بد أن نشير بشكل خاص الى التعاون الجيد و المثمر في المجال النفطي، والذي يوجد بنتائج كبيرة رغم انه مازال في بداياته. وأعود فأقول أن احتفالنا بهذه المناسبة معكم أيها الأخوة مليء بالذكريات الجميلة والحاضر القائم على أرض صلدة وبالمستقبل الواعد.
يتمتع شعبا الصين والعراق بتاريخ من التواصل الودي التقليدي بينهما، حيث ربط “طريق الحرير” حضارة النهر الأصفر الصينية التي كان مركزها مدينة تشانغ، وحضارة وادي الرافدين العراقية التي كان مرزها مدينة بابل.
يتمتع شعبي الصين والعراق بتاريخ من التواصل الودي التقليدي بينهما، حيث ربط “طريق الحرير” حضارة النهر الأصفر الصينية التي كان مركزها مدينة تشانغ أن وحضارة وادي الرافدين العراقية التي كان مركزها مدينة بابل. ولعب هذا الطريق العريق دورا مهما في تواصل الدولتين ودعم تنميتهما في كافة المجالات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية. وتبقى الشواهد التاريخية في الدولتين العريقتين دليلا على هذا التواصل.
ما بين حضارة وادي الرافدين … عراق دجلة والفرات، وحضارة النهرين الصفر ويانزي في الصين … يمتد الخطاب الإنساني …. عبر أحاسيس الفنانين العراقين … ليضعوا التبادل التشكيلي الذي ينقل اليكم المحبة و السلام.
يرتبط الصين والعراق بعلاقات تاريخية موغلة في القدم، صمدت للتجارب، رسخها الزمن، واوثقها التفاهم والتعاون المتبادلين على أقدام راسخة وأسس ثابتة و متينة.
سياسة البلدان الصين والعراق ثابتة ومبدئية في دعم بعضهما بعضا، من أجل الوحدة والتوحيد السلمي لاراضيهما. ولذا، فان سياسة جمهورية الصين الشعبية كانت أيضا راسخة و مبدئية في دعم القضايا العربية العادلة، ومساندة كل ما يدعم التضامن العربي والوحدة العربية. وهو ما ظهر في تطابق وجهات نظرهما تجاه العملية السلمية في الشرق الأوسط.
ولاشك ان التنمية والازدهار يشكلان احد الاهداف السامية التي تتطلع الشعوب الى تحقيقها. وفي هذا المجال يلعب التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي القائمين على اساس المصلحة المتبادلة والمساواة والمنفعة المشتركة دورًا اساسيًا، بل وجوهريا في العلاقات بين الدول، وقد تكفي نظرة اولية الى حجم التبادل التجاري بين الصين والعراق في العقد الماضي ومقارنته بحجمه الحالي للتأكيد من ان هذه العلاقات تنمو وتقوي بشكل مستمر، وحيث تجاوز ثمانية مليارات دولار في هذا العام 1998.
إذا استعرضنا ما جرى في هذه السنة، فنجد ان العلاقات بين الصين والعراق استمرت في الحفاظ على زخمها الطيب للتطور حيث كانت التبادلات تتواصل على مختلف المستويات. وجدير بالذكر ان حكومة الصين طرحت مقترحا من أربع نقاط لتطوير العلاقات الصينية العراقية، كما ان حكومة العراق اصدرت في وقت سابق، قرارا يدعو الى تعزيز العلاقات مع الصين على نحو شامل. فجاء ذلك تعبيرا عن الرغبة القوية لدى كل من الصين والعراق في تطوير العلاقات فيما بينهما، حيث حدد الاتجاه الواضح لبناء علاقات الصداقة والتعاون الصينية العراقية الطويلة والمستقرة في القرن الحالي ونحو القرن المقبل وخلاله، من جهة، ومن جهة أخرى، جسّد أيضا الاهتمام الفائق من الحكومة الصينية وحكومة العراق بعلاقاتهما. وفي الوقت نفسه، حقق التعاون الاقتصادي والتجاري ذو المنفعة المتبادلة بين الصين والعراق تطورات جديدة أيضا بصفة عامة، وشهد حجم التبادل التجاري زيادة ملحوظة بصفة خاصة، مِمّا يُبشر بآفاق نمو مشرقة. أننا نشعر بارتياح بالغ ازاء ذلك.
تنتمي كل من الصين والعراق الى الدول النامية، حيث تلتقي مصالحهما وطموحاتهما، وهما دائما شريكان طيبان في التعاون. وكنا نتبادل التأييد في النضالات الماضية ضد الاستعمار في سبيل كسب الاستقلال والتحرير الوطني. أما اليوم، فنمد أيدينا لمساعدة بعضنا البعض في القضايا الرامية لتحقيق السلام والتنمية. ولاشك أن هذا القرن سوف يأتي في سنواته المقبلة، بفرصٍ جديدة لنا لتطوير علاقات الصداقة والتعاون القائمة حاليا، الامر الذي يفرض علينا زيادة تقوية التنسيق والتاييد المتبادلين على الساحة السياسية، وبذل جهود كبيرة في تطوير علاقات التعاون الطيب في مجالات الاقتصادي والتجارة والثقافة وغيرها من المجالات الاخرى، والعمل باستمرار على البحث عن سبل اساليب جديدة لتوسيع التعاون حتى يكون لاحقا قاعدة دائمة لعلاقاتنا السياسية الطيبة، بما يخدم الصداقة والمصالح لشعوبنا على نحو افضل.
يقع العراق في ملتقي القارات الثلاث متمتعا بالتقاليد الثقافية الممتازة والموارد الطاقة البترول والغاز الطبيعي المتوفرة ووزن كبير في الشؤون الدولية. ان الصين اذ تحرص كل الحرص على تنمية علاقات الصداقة والتعاون مع العراق، لتعمل على جعلها نموذجا للتعاون بين الدول في إطار جنوب – جنوب.
تحتفل جمهورية الصين الشعبية وجمهورية العراق 2021 بمرور ثلاث وستين عاما على تدشين العلاقات الثنائية بين البلدين، وكانت الصين من أوائل الدول التي أعترفت بالجمهورية الجديدة في العراق وذلك في 16 يونيو 1958، تلاها إعتراف العراق بالصين يوم 17 يوليو من ذات العام، وافق البلدان على إقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما إعتبارا من 18 أغسطس 1958. طوال العقود الثلاث والستين، احتفظت الصين بعلاقات متميزة مع العراق تقوم على أساس المنفعة المشتركة والاحترام المتبادل لسيادة كل دولة.
وليس ختامًا نُذكّر، ان التاريخ المعاصر يُشير إلى ان العلاقات ما بين العراق والصين قد بدأت في نهاية عقد الخمسينات من القرن العشرين، ففي 16/7/ 1958 انطلقت العلاقات الرسمية، إذ بعثت الحكومة الصينية انذاك ببرقية الى نظيرتها العراقية التي تسنمت مقاليد السلطة في العراق لتعترف بها، وهذه الخطوة الصينية دفعتها الضرورة الاستراتيجية والسياسية والتاريخية لمكانة العراق الجيواستراتيجية في المنطقة ودوره في تأسيس منظمة الامم المتحدة وجامعة الدول العربية، فلا نستغرب عندما يذكر الزعيم الصيني الراحل ماتسي تونغ اهمية دور الدول النامية والعرب في دعم جمهورية الصين الشعبية انذاك بقوله: “لقد حملتنا الدول النامية على اكتافها الى الامم المتحدة “.
….