الصحافة الشيوعية في السجون الديكتاتورية
أجنادين نيوز /ANN
بقلم : جاسم محمد مطير
طرق سمعي، خلال متابعاتي تحدي الصحافيين الشيوعيين لجميع وسائل قهر (حرية الفكر) في السجون العراقية بإصدار جرائد يومية، بنسخة واحدة، أو نسختين أو بعشر، كما كان ذلك في سجن (نقرة السلمان).
حال دخولي إلى (النقرة) في بداية عام ١٩٦٤ كلفتني الهيئة الحزبية القيادية، في السجن، بالانضمام إلى هيئة تحرير الجريدة السجنية وإصدارها، يومياً، بانتظام. صار طموح كل واحد من أعضاء التحرير هو العمل على إصدار جريدة راقية المعاني. لم يكن لدينا اي تحفظ بشأن حجم الجريدة. أحياناً أصدرناها بصفحتين وأحياناً بعشر صفحات. لكن الغالب عليها هو الصدور بصفحة واحدة. علينا ان نواصل الإصدار من دون أن تتوقف أصابعنا عن كتابة افكارنا وألا تسكت روحنا في الحوار مع عقولنا، نحن المحررين.
في فترة العام ١٩٦٥ حققنا القفزة العظمى حين اخذنا بإصدار ملاحق أسبوعية.. مرة إصدار الملحق الأدبي – الثقافي ومرة اخرى الملحق الاقتصادي – النفطي، مرة ثالثة الملحق الصناعي – الزراعي. هكذا كنّا نمثل النزعة الاستطلاعية إلى كل شيء في وطننا بما في ذلك مجازاة الشعراء والكتاب الساعين من اجل التغلب على كل ما يعيق تقدم (الانسانية) في السجون العراقية ومنها سجن (النقرة).
كانت جميع صفحات الجريدة السجنية تمجد العقل وبحوث القليلين، الموهوبين، الباحثين داخل السجن في السياسة الوطنية وغيرها الفنانين والشعراء والعلماء الأكاديميين وغيرهم. كانوا جميعاً يساهمون بتحرير الملاحق، بينما كنّا نحن (الخمسة) أساسيين بالتحرير، كل يوم. أصدرنا ملاحق عن الكاتب الروسي العظيم مكسيم غوركي وعن الفيلسوف برتراند رسل وعن غائب طعمة فرمان وعن أينشتاين وعن حركة العاصفة والاندفاع الشعبي في الانتفاضات الشعبية الوطنية في عام ١٩٤٨ وفي تشرين عام ١٩٥٢ وفي عام ١٩٥٦ ثم في ١٤ تموز الخالدة.
كان الخمسة يتكونون من جاسم المطير وسامي أحمد (محرران ثابتان) يمكن ان ينضم إليهما كتاب اخرون من امثال صاحب الحكيم، الفريد سمعان، همام المراني، زهير الدجيلي، كاظم علي جواد، هاشم الطعان، محمد المُلا عبد الكريم. بعضهم يستمر أياماً تجريبية ثم يغادر عمل الجريدة والبعض منهم يتواصل إلى فترة مقبولة.
كانت الصحافة الشيوعية، السجنية، ذات مستوى راق ومتقدم.
كانت مواد النشرة اليومية تعد بين الساعة السابعة والثانية عشرة. ثم تسلم إلى (سامي أحمد) للاطلاع عليها وتدقيقها من ناحية الإعداد، ثم يقوم بإيصالها إلى (الكتبة) في الغرفة المجاورة للمطبخ العمومي. كل واحد يكتب اربع نسخ على الأقل، ثم يجري توزيع النسخ، كل نسخة إلى قاووش.
في تمام الساعة الثامنة صباحاً يقوم أحد الرفاق بقراءة النشرة امام سكان القاووش. كل قاووش على حدة، بشرط ان يكون القاريء قد تم اختياره من ذوي الصوت الجهوري، متمكناً من تحاشي اخطاء اللغة العربية.
الشيء المؤسف اننا لم نهتم بقضايا الأرشفة، اذ لم نحتفظ ولا بنسخة واحدة من تلك الجرائد والصحف السجنية، مما اضاع جهوداً كبرى بذلها السجناء السياسيون في العراق. كان النموذج الرئيسي قد ترسخ من قبل سجناء (النقرة) بصفة خاصة.