مسرح التعزية ( التشابيه) وضرورة اعادة قراءة الياته

اجنادين نيوز / ANN

حيدر علي الاسدي

كل متابع يدرك تماما ان المسرح انبثق من الطقوس اليونانية،من احتفالات الاله ديونسيس،وكلنا يعلم ان المسرح في العراق بدء في الاديرة والكنائس المسيحية في محافظة الموصل وندرك تماما دور الكنائس في العصور الوسطى وكيف كانت تحتضن العروض المسرحية ،كل عام اتذكر حوادث تقع هنا وهناك من هجوم الناس على اعداء الامام الحسين ( عليه السلام) واقصد في التشابيه ترى الجمهور يتعاطف ويهجم على من يؤدي دور (شمر) او الاعداء الاخرين!!ولا نستغرب فقد نقل لي احد اساتذة الفن ممن كان يعيش خارج العراق ان يوما ما كان الجمهور الانكليزي يتابع عرضا مسرحيا لشكسبير(عطيل) وما ان قتل عطيل زوجته ديدمونه حتى انهار احد المتابعين وما كان منه الا ان يخرج مسدسه ويقتل ممثل دور (عطيل) ويرديه ميتا على المسرح في الحال!!!هذه القيمة التفاعلية والتعاطف موجود لدى متابعي مسرح (التشابيه) او مسرح ( التعزية) ويمكن احداث التطهير لدى متلقي هذا النوع من المسرح. ومع تقادم الزمن صار لهذا المسرح مكانا في المكتبات المسرحية العراقية،وتم استثمار واقعة الطف برؤى مختلفة واستنهاض الواقع على اساس قوة وجوهر ما حصل هناك في عاشوراء التاريخ والحسين(عليه السلام) وتقديم تلك العروض بما يتلاءم والعصور الحالية ورغم ان مسرح التشابيه والتعزية قدم بطريقتين اولهما التقليدية الحرفية وهي تلتزم الزي والدقة التاريخية في الازياء والنقل الروائي ومسميات الشخصيات وهي عروض تقدمها المواكب الحسينية العادية حتى التي لا تملك ادنى معرفة بالفن المسرحي ولها متابعيها وجمهورها الواسع من كل الطوائف وليس الشيعة فقط!وهناك جانب وطرف اخر تناول مسرح التعزية برؤى تجريبية وحداثوية وهم الفرق المسرحية والمعنيين بالحراك المسرحي وقدموا تلك العروض في المسارح على خلاف الطريقة الاولى التي تقدم يوم العاشر من محرم في الشوارع والازقة وتستخدم الخيول الحية …الخ..بصراحة الطريقة الحداثوية اغلب بل كل متابعيها هم الانتجلسيا النخبة الثقافية واغلبهم من فناني المسرح ورواده.ومسرح التعزية له جذور قديمة وشغف حتى المخرجين العالميين فهذا بيتر بروك يسافر الى ايران مع فرقته وبعد ان شاهد احد عروض التشابيه قال: (شاهدت في قرية إيرانية نائية شيئاً من أقوى الأشياء التي شاهدتها في المسرح في أيما وقت مضى) كما يقول السير لويس بيلي دبلوماسي بريطاني عاش في طهران (إذا توجب قياس نجاح الدراما عن طريق التأثير الذي تحدثه على الذين ألفت من أجلهم، أو على المشاهدين الذين تمثل أمامهم، فلا توجد أبداً مسرحية فاقت التراجيديا المعروفة في العالم الإسلامي باسم (الحسن والحسين عليهما السلام)) وصار لمسرح التعزية منظرين وكتاب وقد صدر كتاب ( مسرح التعزية في العراق ) للمؤلف الدكتور مناضل داود.تناول فيه هذا المسرح.كما كتب عشرات المؤلفين المعروفين بهذا الاطار ومنهم عبد الرحمن الشرقاوي ومسرحيته الشهيرة بجزئيها( الحسين ثائرا والحسين شهيدا) والتي قدمت كثيرا في مصر.كما لا ننسى مسرحية ( ثانية يجيء الحسين) للراحل العراقي محمد علي الخفاجي وكيف ادخل جزء منها في المناهج الدراسية العربية والعراقية وقدمت عشرات المرات.وايضا مسرحية( الحسين) لمحمد الرضا شرف الدين وكتبها في بداية الثلاثينيات من القرن التاسع عشر ونص مسرحية مصرع الحسين للسوري عدنان مردم بك ونص المصري محمد العفيفي بعنوان ( هكذا تكلم الحسين) ونص ( الحسين يموت مرتين ) للكاتب المغربي المعروف عبد الكريم برشيد.ولا ننسى الحر الرياحي لعبد الرزاق عبد الواحد وحتى المخرجين المعاصرين فقدم الدكتور عقيل المهدي مسرحية (الحسين الآن) تأليفا وإخراجا.ومسرحية (الحسين في غربته) امتداد لمسرحيته السابقة الحسين الان.اذ يعمل على انساق جديدة في القراءة الاخراجية والاسقاط المسرحي الواعي لقضية الحسين ( عليه السلام) من كسر المألوف والمتعارف! وهنا تأتي الرؤية المهمة في مسرح التعزية ولم تبق التعزية حيز العروض بل تعدى الامر الى البحث والتقصي وعلى الاقل تم قبول اربع رسائل ماجستير او اكثر في البصرة فقط عن مسرح التعزية ومنها للصديق الدكتور معيبد العيساوي الفنان المسرحي المقتدر الذي عمل على مسرح التعزية وحاول التطوير من الياته ولا انسى اطروحة الدكتوراه لاستاذي الدكتور عباس الجميلي التي قدمها في بريطانيا والتي تتحدث كذلك عن التشابيه الحسينية برؤية بحثية معاصرة ،كما عمل عدد من المخرجين في البصرة في هذا الافق والاطار ومنهم الفنان هشام شبر في اكثر من عرض كمخرج والراحل الدكتور حسن عبد الرزاق في عرض واحد كمخرج ومعد( الارض وما عليها) ولا احد ينسى عرض (مصرع الابداع) للراحلة لمياء هاشم الذي قدمته برؤية اخراجية بارعة في مسرح كلية الفنون الجميلة بجامعة البصرة. كما قدمت في الناصرية عدة عروض من تأليف عمار نعمة جابر ومنها ليلة جرح الامير والماء يا قمر الشريعة للمؤلف حازم رشك واخراج ياسر البراك وقبور بلا شواهد من تأليف عمار نعمة واخراج ياسر عبد الصاحب واكفان ومغازل من تأليف عمار عبد النعمة واخراج ثائر خضير. ولكن بصراحة ارى ضرورة ان تكون الرؤى والاليات والاساليب المعتمدة مغايرة للنسق التقليدي الذي عهدناه في تناول القضية الحسينية لتمتد افاق الفكر الحسيني الى ابعد من ذلك واتمنى ان تقدم عروض باللغة الاجنبية في مهرجانات عالمية لنخاطب بها الاغيار ممن يصعب عليهم متابعة العروض هنا في بلداننا الاسلامية .وبودي ان اذكر قول المستشرقة السوفيتية تمارا الكساندروفنا في كتابها ( ألف عام وعام على المسرح العربي ) وبعد إطلاعها على الأحداث الملازمة لقضية الامام الحسين ( عليه السلام) بوصفها مادة مشبعة بالدراما الحقيقية والتراجيديا , تقول : ( ولا يتبقى لنا في النتيجة إلا أن ناسف لعدم ولادة شكسبير عربي كان باستطاعته تجسيد طباع أبطاله وسلوكهم في الشكل الفني للتراجيديا الدموية إن في هذه المادة من المؤامرات والقسوة والتعسف والشر ما لا يقل عما كانت عليه في مواضيع عصر حروب الوردة الحمراء والوردة البيضاء لكن رغم عدم توفر الأساس الأدبي المتين فقد أدى مصير الحسين المأساوي وأدت معركة كربلاء إلى ولادة التعزية) التي تعد من أقدم العروض المسرحية في العالم الإسلامي ) ما اقوله اتمنى في هذا العام من محرم الحرام ان نرى مهرجانا كبيرا في البصرة عن مسرح التعزية تشارك فيه فرق من كل الدول العربية وحتى الاجنبية لتقدم رؤيتها لواقعة الطف وبالأساليب التي ترى وتعتمدها كمدارس اخراجية متنوعة على ان تحافظ على جوهر القضية الحسينية ولا تطالها بالتشويه او التقليل من قدرها وابعادها الفكرية.لان القضية الحسينية انسانية وفكرية بابعادها كافة وتستحق منا كل الاحترام والعناية وتقديمها بوع ونضج تام.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى