مقترحات وآليات إيجابية لتفعيل دور “بريكس”

أجنادين نيوز  / ANN

عادل علي، إعلامي وباحث في الشؤون الصينية – مصر

من بين الدول الخمس الأعضاء في كتلة الاقتصادات الصاعدة المعروفة اختصارًا باسم “بريكس” (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب أفريقيا)، تحظى الصين بمكانة هامة في النظام الدولي الراهن، فهي باعتبارها أكبر دولة نامية في العالم، تتصرف بمنطق دولة كبرى مسئولة، وتتمتع بمكانة رفيعة في إطار كتلة “بريكس”، بما تمتلكه من إمكانيات هائلة في كافة المجالات، سواء من حيث مساحتها، أو عدد سكانها، أو حجم اقتصادها، أو معدلات تجارتها العالمية، وغيرها من المؤشرات التي تعكس مكانة الدولة في الإطار الدولي. ولذا، تحرص بكين بشكل دائم خلال مشاركتها في قمم ولقاءات البريكس رفيعة المستوى على طرح رؤى وأفكار ومقترحات إيجابية وبناءة ومتوازنة لمواجهة التحديات والإشكاليات التي تواجهها ليس فحسب دول الكتلة، وإنما أيضا الدول النامية الأخرى ومعها غالبية شعوب العالم.
ففي الفترة الأخيرة، والتي شهدت انعقاد القمة السنوية للكتلة في نسختها الثالثة عشرة افتراضيًا بنيودلهي في التاسع من سبتمبر الجاري، وسبقها اجتماع وزراء خارجية دول الكتلة افتراضيًا – أيضًا – في أول يونيو الماضي، طرحت الصين عدة رؤى وأفكار ومقترحات متوازنة لتفعيل دور دول “بريكس” في إطار النظام الدولي الراهن وتعزيز التعاون العملي فيما بينها، تجلت أبرز عناصرها ومفرداتها في كلمة الرئيس الصيني شي جين بينغ للقمة، وكذلك مقترحات عضو مجلس الدولة ووزير الخارجية الصيني وانغ يي لدول “بريكس”، خلال الاجتماع الافتراضي المشار إليه.
فقد أكدت كلمة الرئيس شي على معاني: ضرورة تعزيز التضامن العالمي في مواجهة جائحة كوفيد -19، وتدعيم التعددية الحقيقية، وتعزيز التعاون الاقتصادي من أجل تحقيق المنفعة المتبادلة، وتعزيز التعاون السياسي والأمني من أجل النزاهة والعدالة، علاوة على تعزيز التبادلات الشعبية بهدف التعلم المتبادل. فيما أكدت كلمة السيد وانغ يي على ضرورة تعزيز التضامن في جميع أنحاء العالم، ومعالجة مشكلة قصور الحوكمة، والاستجابة للتحديات العالمية.
وتتجلى القيمة الحقيقية لأية أفكار أو مقترحات في صوغ الآليات والخطوات الملموسة التي تكفل نقلها من الإطار النظري المجرد إلى الإطار العملي بتنفيذها وتطبيقها على أرض الواقع. وهو ما عملت الصين على تنفيذه، فاتبعت مقترحاتها بآليات وخطوات مهمة اتخذتها بالفعل أو تعتزم اتخاذها في المستقبل القريب.
فبالنظر إلى المكانة الكبيرة التي تحظى بها دول بريكس على الصعيد العالمي، ولاسيما لجهة المساحة الشاسعة والعدد الكبير من السكان، فإنه عندما تقترح الصين ضرورة تعزيز التعاون بين هذه الدول في مكافحة الجائحة، فإن هذا الأمر يصب في الآن ذاته في تحقيق هدف المجتمع الدولي برمته في مكافحة الجائحة وبناء حائط صد قوي في مواجهتها. فقد دعت بكين دول “بريكس” إلى دعم استجابة بعضها البعض ضد الجائحة، وتبادل المعلومات ذات الصلة وخبرات السيطرة على الجائحة، ودعم نهج قائم على العلم لتتبع أصول الفيروس، ومعارضة التسييس والوصم. بالإضافة إلى مواصلة كتلة “بريكس” جعل اللقاحات منفعة عامة عالمية، والالتزام بمبدأ التوزيع العادل والمعقول، ودعم منظمة الصحة العالمية في الإسراع بتنفيذ برنامج (كوفاكس) العالمي، ودعم منظمة التجارة العالمية في إتخاذ قرار مبكر بشأن إعفاء حقوق الملكية الفكرية للقاحات. علاوة على ضرورة تسريع بناء مركز بريكس لبحث وتطوير اللقاحات، وتقديم المساعدة من أجل القضاء على “فجوة اللقاح” العالمية. مقترحة إقامة منتدى دولي للتعاون في مجال اللقاحات، بمشاركة دول وشركات “بريكس”. وقامت الصين بتدشين مركز بريكس لبحوث وتطوير اللقاحات في مايو 2021، وذلك تنفيذًا لمقترحها في قمة العام الماضي.
تعزيز التضامن العالمي في مواجهة كوفيد -19، يتحقق من وجهة نظر بكين عبر العمل على تعزيز سبل التعاون الدولي في مجال اللقاحات وإتاحتها بشكل عادل لجميع الدول. ولهذا الغرض، أعلنت بكين عن التبرع بـ 100 مليون جرعة إضافية من اللقاحات للدول النامية خلال العام الحالي. وهو ما يُضاف إلى تبرعها بمبلغ 100 مليون دولار أمريكي لبرنامج (كوفاكس) العالمي. وكذلك تبرعها بما يفوق مليار جرعة من اللقاحات إلى أكثر من 100 دولة ومنظمة دولية. علاوة على السعي إلى توفير ملياري جرعة بحلول نهاية العام الجاري.
أحد المفردات الأخرى المهمة التي أكدت عليها الرؤية الصينية خلال القمة تتمثل في الدعوة إلى تعزيز التعددية، وتتجلى وسائل تحقيق هذا المقترح في قيام دول “بريكس” بالتوظيف الأمثل للآليات التي تمتلكها الكتلة لتحقيق هذا الهدف، ومنها اجتماعات وزراء الخارجية وكبار ممثلي الأمن بالكتلة، بغية تنسيق مواقفها بشأن القضايا الدولية والإقليمية المهمة، والتعبير عن مواقفها بشكل جماعي. ويُعد هذا العنصر المهم بمثابة دافع قوي لدول الكتلة لتحفيزها على المشاركة بفاعلية في الحوكمة العالمية واقتراح الحلول بشأن سُبل مجابهة التحديات العالمية. وذلك من خلال الالتزام بمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وحماية النظام الدولي القائم على القانون، وفي القلب منه الأمم المتحدة.
وقد دعت بكين دول “بريكس” إلى المساهمة في حل الصراعات والمواجهات الإقليمية، والإسهام في تحقيق السلام العالمي. وضرورة العمل على تسهيل التسوية السياسية للقضايا ذات الصلة بالصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، والاتفاق النووي الإيراني، وأفغانستان، والتخلص من المياه الملوثة من محطة فوكوشيما النووية في اليابان، والإرهاب.
واتصالًا، أكدت الرؤية الصينية خلال القمة على ضرورة تعزيز التعاون الاقتصادي بين دول “بريكس” لتحقيق الربح والمنفعة للجميع، وذلك عبر التنفيذ الجاد لاستراتيجية الشراكة الاقتصادية لبريكس 2025، وتوسيع التعاون في مجالات التجارة والاستثمار والتكنولوجيا والابتكار والتنمية الخضراء ومنخفضة الكربون. وبهدف ضخ المزيد من الزخم في التعاون العملي بين أعضاء “بريكس”، رحبت بكين بالتقدم الملموس الذي طرأ بشأن توسيع عضوية بنك التنمية الجديد لبريكس، بانضمام أوروغواي والإمارات العربية المتحدة وبنغلاديش كأعضاء جدد، واقترحت عقد عدة منتديات اقتصادية رفيعة المستوى بين دول البريكس حول حزمة من القضايا المهمة، وهي: تطوير الانترنت الصناعي والتصنيع الرقمي، وتغير المناخ، والبيانات الضخمة من أجل التنمية المستدامة.
كذلك، دعت بكين دول “بريكس” إلى المساهمة في التعافي الاقتصادي العالمي، وأبدت دعمها لصياغة خطة عمل لتعاون “بريكس” في ابتكار العلوم والتكنولوجيا بهدف تشكيل زخم إنمائي جديد بابتكار تكنولوجي وتحول رقمي. وقامت الصين بتأسيس قاعدة ابتكار لشراكة “بريكس” بشأن الثورة الصناعية الجديدة بمدينة شيامن بمقاطعة فوجيان، وتتطلع إلى المشاركة النشطة لدول بريكس، التي يتعين عليها تعزيز التعاون في الصناعة الخضراء والتكنولوجيا الخضراء والتمويل الأخضر لبناء مجتمع حياة مشترك بين الإنسان والطبيعة، وتوسيع نموذج التعاون “بريكس+” وبنك التنمية الجديد لبريكس.
على الرغم من التحديات التي تواجهها كتلة “بريكس”، ولاسيما تلك المرتبطة باستمرار جائحة كوفيد -19، الصعوبات التي يعاني منها الاقتصاد العالمي جراء الجائحة، وكذلك حالة الاضطراب وعدم الاستقرار التي تشوب النظام الدولي بمناطقه وأقاليمه الرئيسية نتيجة سياسات بعض قواه الكبرى التي تفتقد إلى المنطق والعقلانية. إلا أن الكتلة وبمساهمة فاعلة من الصين وباقي الدول الأعضاء نجحت في مواجهة التحديات التي واجهتها خلال الفترة الأخيرة، حيث نجحت في الاستجابة بفاعلية لتحدي وباء كوفيد -19، وأقرت خطة عمل لمكافحة الإرهاب، وقامت بتعزيز تنسيق سياسات الاقتصاد الكلي بشكل أكبر، والموافقة على “شراكة بريكس الاقتصادية 2025″، زيادة عدد أعضاء بنك التنمية الجديد، تحقيق اختراقات في التعاون في مجال التكنولوجيا الفائقة، تدشين قاعدة ابتكار لشراكة بريكس بشأن ثورة صناعية جديدة في مدينة شيامين بالصين، وغيرها الكثير والكثير من النجاحات والإنجازات التي لا يتسع المقام لذكرها.
إن ما حققته كتلة “بريكس” من نجاحات وإنجازات ما كان ليتحقق بمعزل عن دور الصين الإيجابي كعضو فاعل ومهم في “بريكس”، عبر ما تطرحه من مقترحات ورؤى وأفكار بناءة، متبوعة بآليات محددة وعملية، لمواجهة التحديات والإشكاليات التي تواجهها دول “بريكس”، والتي تُعد إنعكاسًا صادقًا وأمينًا للسياسة الخارجية الصينية التي ترتكز على السلام، والتنمية السلمية، والتعاون المربح للجميع، وتأييد التعددية، ورفض الأحادية والهيمنة.
– 2 –

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى