بايدن ومواجهة التنين الصينى
اجنادين نيوز / ANN
بقلم الدكتورة كريمة الحفناوي
إعلامية مصرية معتمدة للنشر في شبكة طريق الحرير الصيني في الجزائر والوكالات العربية الإخبارية المتحالفة اجنادين والحرير السندباد والمدائن وآشور، وعضو متقدم ناشط في الإتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتاب العرب اصدقاء وحلفاء الصين.
مع نهاية العقد الأول من القرن الواحد وعشرين وبدايات العقد الثانى بدأ كل من الدب الروسى والتنين الصينى فى الصعود على المستوى العسكرى والاقتصادى عالميا ومنافسة القطب الواحد الأمريكى المهيمن والمسيطر بسياساته الرأسمالية المعسكرة المتوحشة على دول العالم، وبالطبع بدأت أمريكا فى سن سياسات معادية لوقف هذا الزحف ومنها انتهاج الحروب التجارية مع محاولات التضييق على كل من روسيا والصين عن طريق الدول المحيطة بهما واستمرت تلك السياسات حتى الآن رغم رهان البعض على أن مجىء جو بايدن سيعالج الارتباك الاستراتيجى فى سياسات الرئيس السابق دونالد ترامب، وخاصة أن بايدن قال فى برنامجه الانتخابى أنه سيستبدل الضغوط العسكرية والاقتصادية من حصار وعقوبات بالدبلوماسية ويركز على إعادة هيكلة الاقتصاد الأمريكى ليستعيد مكانته (أمريكا أولا).
ولكن وبعد أكثر من ثمانية أشهر نجد أن جو بايدن لم يختلف كثيراعن سلفه بخصوص الاستمرار فى معادة الصين وروسيا، مع البطء و المماطلة والتردد فى العودة إلى الاتفاق النووى الأمريكى الإيرانى، واستمرار الحفاظ على أمن الكيان الصهيونى ودعم اليمين الصهيونى المتطرف وترك الأمر الواقع الذى خلفه ترامب من نقل سفارة أمريكا من تل أبيب إلى القدس باعتبار القدس العاصمة الأبدية لإسرائيل، وفى هذا الأسبوع وافق الكونجرس الأمريكى على منح إسرائيل مليار دولار لتمويل القبة الحديدية.
واستمراراً للتصعيد ضد روسيا والصين دعا بايدن ألمانيا للانسحاب من مشروع نورد ستريم لتوريد الغاز الروسى إلى دول أوروبا وقد رفضت ألمانيا تنفيذ ذلك، واستمرت سياسات أمريكا الضاغطة على الاتحاد الأوروبى والمتجاهلة للتشاور مع الحليف الأوروبى ومنها فى الفترة الأخيرة ماتم من الانسحاب الأمريكى المهين من أفغانستان دون تشاور مع الحلفاء من الدول الأوروبية، وماتم من خيانة فرنسا وتوجيه صفعة اقتصادية لها بإلغاء أستراليا لصفقة الغواصات المبرمة مع فرنسا منذ عام 2016 بما قيمته 65 مليار دولار واستبدالها بصفقة بين أمريكا واستراليا وانجلترا لإنتاج غواصات نووية فى استراليا فى محاولة للتصدى لنفوذ الصين بهذا الحلف الثلاثى المعروف باسم حلف “أوكوس”، وقال بايدن بوضوح أن هذا الحلف من أجل استقرار وأمان المحيط الهادى والهندى ومواجهة الصين.
لقد وصفت فرنسا إلغاء استراليا صفقة الغواصات بينهما مقابل الدخول فى حلف أوكوس مع أمريكا وبريطانيا بأنها “طعنة فى الظهر”، وفى هذا الشأن أشارت ياسمين أسامة (فى مقال بعنوان بايدن وترامب اتفاق على مواجهة التنين فى أهرام السبت 25 سبتمبر) إلى قول نيكول بشيران الباحثة فى الشئون الأمريكية الفرنسية بمعهد الدراسات السياسية فى باريس “إن ماحدث من جانب الولايات المتحدة الأمريكية يمثل نظاما جيوسياسيا جديدا لاتتمسك فيه واشنطن بالتزام جاد تجاه حلفائها وأنها لمواجهة الصين اختارت حليفا من الأنجلوساكسون بعيدا عن فرنسا وسيتسبب ذلك بالطبع لمزيد من الشقاق بين أمريكا والحليف الأوروبى لتباين تعاملهما مع الصين”.
ومن المعروف أن الصين تتطور عسكريا وتتفوق فى العديد من الأسلحة فى المجال البحرى والجوى هذا بجانب تطوير البرنامج الفضائى والتكنولوجى والذكاء الاصطناعى، وبالنسبة للتجارة العالمية نجد أن الصين تمثل 35% من حجم التجارة العالمى وبالنسبة للناتج المحلى الإجمالى نجد أن الصين تحتل المركز الثانى عالميا بعد أمريكا وبحساب تعادل القوى الشرائية للدولار نجد أن الصين الأولى اقتصاديا فى العالم.
لقد أطلق الرئيس الصينى شى جين بينج فى مطلع العام الحالى مقولة “إن الشتاء لايمكن أن يوقف الربيع” فى رسالة واضحة للولايات المتحدة الأمريكية مفادها أن ماتفعله أمريكا لإيقاف التقدم الصينى لن يؤتى ثماره ودعا للتنافس الحر الشريف لتنمية وتقدم وسلام العالم بدلا من الدخول فى حروب وعدم استقرار.
ومن الجدير بالذكر أنه فى الوقت الذى تنتهج فيه أمريكا المواجهة المباشرة مع الصين تتحفظ فرنسا ودول الاتحاد الأوروبى على هذه الطريقة وتؤكد على مشاركة الصين فى العديد من المجالات تتمثل فى التعاون مع بكين فى القضايا ذات المصالح المشتركة بالتوازى مع الدفع باتجاه الضغط فيما يتعلق بالاختلافات مع الصين فى قضايا أخرى، وهذا ماأكد عليه أيضا الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون من إقرار سياسة لاتجازف بالعلاقات مع الصين وفى نفس الوقت تتجنب الخضوع التام لبكين.
من الواضح أننا سنشهد فى الفترة القريبة انهيار الثقة بين الحليف الأمريكى والاتحاد الأوروبى مما سيتسبب فى شقاق بينهما من جهة، وأيضا شقاق بين حلفاء حلف الأطلنطى من جهة أخرى حيث تطالب فرنسا بقوة عسكرية مستقلة للاتحاد الأوروبى.