طريق الحرير ..ماضي العراق الاقتصادي المشرق مع جمهورية الصين الشعبية
اجنادين نيوز /ANN
باسم حسين غلب
كاتب وصحفي ، عضو نقابة الصحفيين العراقيين، مدير تحرير صحيفة البصرة الثقافية، معاون مدير قصر الثقافة والفنون أحد تشكيلات وزارة الثقافة العراقية في محافظة البصرة
الجزء السابع
الخامس والعشرون من عام 2019، حدث اقتصادي عالمي ، لم يكن عابراً أو تقليدياً على الاطلاق. ففي ذلك اليوم افتتح الرئيس الصيني (شي جين بينغ) قمة طريق الحرير الجديد التي شارك فيها ” الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الباكستاني عمران خان إلى جانب 35 رئيساً ورئيس وزراء من أوربا وآسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، بالإضافة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ومديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد كذلك مشاركة رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي الذي انضمت بلاده إلى المبادرة الصينية في آذار الماضي، لتكون أول دولة من مجموعة السبع تقدم على هذه الخطوة . وبالمجموع يضم المنتدى، ممثلين عن 150 بلداً ، من بينهم كوريا الشمالية المجاورة” (1)
السؤال الذي يتبادر إلى الذهن : اين العراق من هذه القمة أو بالأحرى من هذا الحدث الإقتصادي التاريخي إن صح التعبير؟ لماذا غاب العراق عن هذه القمة؟
هل يمتلك العراق بنى تحتية ، تجعله يستغني عن مشروع عالمي عملاق ألا وهو طريق الحرير؟
قبل الإجابة على هذه التساؤلات، علينا أن نتوقف عند تصريح وزير الخارجية الصيني (وانغ يي)، الذي قال فيه بالحرف الواحد : إن بلاده ” وقعت حتى الآن 126 دولة و29 منظمة دولية اتفاقيات تعاون مع بكين. ولا تنص هذه الاتفاقيات على دعم غير مشروط للمشروع الصيني، بل يقترح بعضها التعاون مع دولة ثالثة أو في مجال الاستثمار. ويربط خط سكك حديد الصين بأوروبا ، ويصل 62 مدينة صينية بـ 51 مدينة أوربية متوزعة بين 15 دولة. وقامت تلك القطارات بـ 1469 رحلة منذ انطلاقها في عام 2011 بحسب بكين وتجاوزت القيمة الإجمالية للبضائع المتبادلة في الاتجاهين 30 مليار يورو عام 2018 .” (2)
عندما يغيب العراق، عن هذا التجمع الإقتصادي العالمي الكبير، هذا يجعلنا نضع أكثر من علامة استفهام .
الغريب ان القيادات العراقية التي تعاقبت على إدارة البلاد بعد عام 2003، تهرول للانضمام إلى قمم سياسية (دولية واقليمية)، لأغراض دعائية، لا تخدم مصلحة الشعب العراقي، وإلا لكانت نتائج تلك الإتفاقيات وتلك القمم قد ظهرت على أرض الواقع العراقي ،
بما فيها الاتفاقيات التجارية التي ابرمها العراق، تنصب جميعها في مصالح تلك الدول وليس في مصلحة العراق، كون تلك الدول فقيرة ، لا تستطيع إعانة نفسها، فكيف تستطيع إعانة وبناء العراق؟
ايضاً بالإضافة إلى الربط السككي، بين تلك الدول التي أشرنا إليها،
فإنه ” من المقرر أن تربط سكتا حديد الصين بلاوس وتايلند ، وفي كينيا، تصل سكة حديد مسماة ((طرق الحرير)) العاصمة نيروبي بمومباسا التي تحتوي على المرفأ الأبرز في البلاد المشرف على المحيط الهندي ” (3)
كذلك فإن ” خطوط سكك الحديد الأوروآسيوية التي أطلقت في السنوات الأخيرة، تشهد مرور عدد أكبر من القطارات من الصين باتجاه اوربا ” (4) .
موضوع العراق و الربط السككي ، نكته سمجة للغاية، العراق لا في الوقت الحاضر ولا بعد 1000عام ، قادر على بناء سكك حديد بنفس المستوى العالمي، إذ ليس من المنطقي أن يبرم العراق اتفاقيات لربط سككي مع اي دولة مجاوره ، في وقت تكون فيه سكك الحديد غير مؤهلة من الناحية الفنية للقيام بهذه الخطوة ، الإمكانيات يعرفها الشارع العراقي، خير دليل على ذلك إن القطار الذي ينطلق من البصرة إلى بغداد أو بالعكس يحتاج إلى أكثر من 10 ساعات لقطع مسافة 500 كم .
لكن ، رغم كل السلبيات الموجودة ، علينا ان نضع التساؤل التالي، كي يكون موضع بحث واهتمام، كون القضية تتعلق بالمصلحة الوطنية العليا ، السؤال هو : مامدى الجدوى الإقتصادية في موضوع الربط السككي بين العراق ومحيطه الاقليمي؟
يقول اصحاب الاختصاص: ” إن النقل بالقطارات، يحقق جدوى إقتصادية، إذ يمثل هذا النوع نقلاً متكاملاً للسلع والبضائع والمسافرين، ويحقق للعراق اهدافاً تنموية ملموسة بسبب امتلاكه الموقع الجغرافي والأراضي المنبسطة التي تؤهله لأن يمثل حلقة الربط السككي بين جنوب غرب آسيا والقارة الأوربية ” (5) .
الحكومة العراقية، كانت قد طلبت دراسة لجدوى تصدير البضائع الصينية إلى أوربا عن طريق العراق، بالاستعانة بالربط السككي ، سنتوقف عند تفاصيل هذا الموضوع في مقالاتنا القادمة .
على اية حالة ولكي لا نبتعد كثيراً عن صلب الموضوع ، نعود إلى ماطرحناه من أسئلة في بداية مقالنا، نحاول الإجابة عليها في هذه السطور ، وفي مقالاتنا القادمة بشيء من التفصيل .
كما هو معلوم فإن العراق الذي يعتمد منذ عام 2003 على واردات النفط فقط، يواجه جملة تحديات ، ابرزها :
” 1- تدمير البنى التحتية للبلاد
2- الإقتصاد الريعي الوحيد الجانب الذي يعتمد كلياً على تصدير النفط الخام دون تصنيعه مع إهمال القطاعات الإقتصادية الأخرى.
3- عدم توجيه العائدات المالية النفطية الكبيرة، إلى بناء المشاريع الإستثمارية والخدمية وإنما انفقت في مجالات الاستهلاك والنفقات الحكومية البذخية، وقضم الفساد جزءاً كبيراً منها دون توجيهها إلى عملية التنمية الاقتصادية – الاجتماعية.
4- تفاقم مشكلات البطالة والفقر.
5- تخلف القطاع الزراعي والصناعي وإعتماد البلاد على الاستيراد لسد حاجة السكان.
6- تخلف التعليم والصحة والنقص الحاد في الماء الصالح للشرب والكهرباء وغيرها .
7- تهريب النفط للخارج، حيث بلغت خسائر العراق من تهريب النفط منذ 2003 قرابة 120 مليار دولار.
8- تفشي الفساد المالي والإداري في مفاصل الدولة المدنية والعسكرية وفي المنافذ الحدودية.
9- ازمات السكن والسكن العشوائي .
10 ارتفاع مديونية العراق الخارجية والتي تقدر بـ 130 مليار دولار(6) .
في العادة تحاول الحكومات العراقية التي تعاقبت على إدارة البلد، التخفيف (إعلامياً)، من نسب الفقر التي يعاني منها العراق. فعلى سبيل المثال، ما اعلنت عنه وزارة التخطيط العراقية بشان تراجع نسبة الفقر، عام 2020 لتصل إلى” 20 في المائة بعد أن كانت 22,5 في المائة” (7)
في حين شكك المختصون بتصريحات الوزارة المذكورة بالقول: ” إن احصائيات وزارة التخطط لا تنسجم مع الواقع الذي يشير إلى وجود نسب أكبر في ظل انعدام الخدمات وغياب البرامج لحل ازمة السكن وتوفير فرص العمل” (8) .
أما بخصوص المشاريع الإستثمارية ” كشف مستشار رئيس الوزراء للشؤون المالية مظهر محمد صالح عن عدم تطبيق مشاريع استثمارية منذ عام 2003 وحتى عام 2013 بقيمة 222.3 مليار دولار امريكي ، وحين تم سؤال الوزارات عن هذه المشاريع المسجلة كان الجواب .. لا يوجد شيء على الأرض ، كما كشفت عن موازنة 2020 بأن قيمة الموازنة التشغيلية تأخذ 110 بالمئة من قيمة الواردات النفطية (9).
واضح جداً ان نسبة الفقر في العراق مرتفعة جداً ، هذا من ناحية ، البلد يفتقر إلى رؤية واضحة وعملية وواقعية بشأن الإستثمار وإيجاد بنى تحتيه تتناسب وثقل العراق الاقتصادي وأهميته الجغرافية (اقليمياً ودولياً) من ناحية ثانية ، الإرادة الدولية المسيطرة على القرار العراقي، وتأثير التدخلات الخارجية المباشرة وغير المباشرة، كلها عوامل تؤدي إلى ابقاء العراق في حالة من التردي الاقتصادي والخدمي والمعيشي.
يتبع
المصادر
(1)جريد الصباح العراقية الرسمية / العدد (4517) – السبت / 27 / نسيان / 2019 ص 6 – العربي والدولي
(2)جريد الصباح العراقية الرسمية / العدد (4517) – السبت / 27 / نسيان / 2019 ص 6 – العربي والدولي
(3)جريدة الصباح العراقية الرسمية / العدد (4517) – السبت / 27 / نسيان / 2019 ص 6 – العربي والدولي
(4) جريدة الصباح العراقية الرسمية / العدد (4517) – السبت / 27 / نسيان / 2019 ص 6 – العربي والدولي
(5) جريدة الصباح العراقية الرسمية / العدد (4911) – الخميس / 3 / أيلول / 2020 ص 7 الاقتصادي
(6) جريدة الزمان – العدد (6566) – الخميس / 23/ كانون الثاني (يناير) / 2020 ص 8 اتجاهات الرأي
(7)، (8) جريدة طريق الشعب – العدد (134) السنة 85- الخميس / 27 / شباط / فبراير / 2020 – ص3 اخبار وتقارير .
(9)جريدة الزمان – العدد (6581) – الأثنين 10 / شباط (فبراير) 2020 ص2 أخبار وتقارير